الأديان الكبرى في النرويج

أكبر الأديان في دولة النرويج، المسيحية، الإسلام، اللادينية، الهندوسية، البوذية، التعددية الدينية، الأديان في أوروبا الشمالية، الهوية الدينية في النرويج

مدخل تاريخي لفهم الأديان في النرويج

تُعد النرويج من الدول التي شهدت تحولات دينية وثقافية جذرية على مدى القرون، بدءًا من الوثنية الإسكندنافية القديمة، مرورًا بالمسيحية التي أصبحت الدين الرسمي، ووصولًا إلى مجتمع تعددي دينيًا وعلمانيًا في العصر الحديث. إن دراسة واقع الأديان في النرويج اليوم يتطلب فهمًا عميقًا للبنية السكانية، والمسارات التاريخية، والسياسات الحكومية المتعلقة بالدين، والتحولات الاجتماعية التي أسهمت في إعادة تشكيل الهوية الدينية للمواطن النرويجي.

في بداية التاريخ المدون، كان الإيمان الإسكندنافي القديم (الوثنية النوردية) هو المسيطر، حيث كان السكان يعبدون آلهة مثل أودين وثور وفريا، إلى أن بدأت المسيحية تنتشر تدريجيًا بين القرنين العاشر والحادي عشر، إلى أن أصبحت الديانة الرسمية للبلاد، وهيمن المذهب اللوثري على الحياة الدينية والسياسية في النرويج بعد الإصلاح البروتستانتي.

الدين المسيحي: الأغلبية التقليدية

تُعد المسيحية الديانة الأكبر في النرويج من حيث عدد الأتباع، ويعود ذلك إلى إرث تاريخي طويل من كون الكنيسة جزءًا لا يتجزأ من هوية الدولة. وحتى العام 2012، كانت الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعد كنيسة الدولة، إلى أن تم فصلها رسميًا عن الحكومة، رغم استمرار حصولها على دعم مالي وإداري كبير.

الكنيسة النرويجية (Den norske kirke)

تمثل الكنيسة النرويجية، وهي لوثرية بروتستانتية، أكبر مؤسسة دينية في البلاد، حيث تضم حوالي 65 إلى 70% من السكان حسب بيانات السنوات الأخيرة، رغم أن نسبة الممارسين الفعليين للطقوس الدينية أقل من ذلك بكثير. تُقام مراسم التعميد، الزواج، والدفن في إطار هذه الكنيسة بشكل شائع حتى بين غير المتدينين، مما يوضح حضورها الرمزي والثقافي.

إلا أن الكنيسة النرويجية تشهد تراجعًا مستمرًا في نسبة المنتسبين والمشاركين في الطقوس الدينية، وهو ما يعكس توجهًا عامًا في أوروبا الشمالية نحو العلمنة.

الطوائف المسيحية الأخرى

إلى جانب الكنيسة اللوثرية، توجد في النرويج طوائف مسيحية أخرى أقل عددًا، منها:

• الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والتي تزايد عدد أتباعها بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة بسبب الهجرة، خاصة من بولندا والفلبين. وتُعد ثاني أكبر جماعة مسيحية في البلاد.

• الطوائف الإنجيلية الحرة مثل المعمدانيين والخمسينيين.

• الكنيسة الأرثوذكسية، وتشمل أفرادًا من أصول روسية، أوكرانية، وصربية.

الإسلام: ثاني أكبر ديانة في النرويج

ظهر الإسلام كديانة بارزة في المشهد النرويجي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، خاصة مع قدوم موجات من المهاجرين من باكستان، الصومال، العراق، إيران، تركيا، وغيرها من الدول ذات الغالبية المسلمة.

يشكل المسلمون اليوم حوالي 3 إلى 4% من سكان النرويج، وهي نسبة قد تختلف حسب تعريف “المسلم” ما إذا كان يشمل من يُسجل رسميًا في الجمعيات الإسلامية أو يُحسب وفقًا للأصل الثقافي.

المساجد والمؤسسات الإسلامية

تنتشر المساجد في المدن الكبرى مثل أوسلو، بيرغن، وطروندهايم، وتلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للمجتمع المسلم. تُدار هذه المساجد غالبًا من قبل منظمات إسلامية ممولة من الداخل أو الخارج.

تُدرّس التربية الإسلامية في بعض المدارس، كما يحصل الطلاب المسلمون على إجازات في الأعياد الدينية. ومع ذلك، تُثار أحيانًا قضايا تتعلق بالاندماج، والهوية، والعلاقة بين الإسلام والدولة العلمانية.

التنوع داخل الإسلام

يتنوع المسلمون في النرويج بين السُنّة، الشيعة، الصوفية، وأتباع الجماعات الأخرى. كما توجد اختلافات ملحوظة في مستوى التدين، حيث أن نسبة كبيرة من المسلمين الشباب تنتهج نمطًا ثقافيًا أكثر من كونه دينيًا تقليديًا.

اللادينية والإلحاد: صعود العقلانية والعلمنة

تشير الإحصائيات إلى تزايد مستمر في نسبة غير المتدينين أو من لا يعتنقون دينًا محددًا. وقد تصل هذه النسبة إلى حوالي 30% أو أكثر من سكان النرويج، ما يجعل “اللادينية” واحدة من التيارات الأوسع انتشارًا في البلاد.

خلفية فلسفية واجتماعية

يتأثر هذا التيار بالعلمنة المتجذرة في الثقافة النرويجية، والمبنية على حرية الفرد، ورفض السلطة الدينية في الشؤون العامة. وتُعزز نظم التعليم، الإعلام، والسياسات العامة هذا التوجه، حيث يُنظر إلى الدين غالبًا كخيار شخصي بحت وليس مكونًا جوهريًا من هوية المواطن.

جمعيات اللادينيين

يوجد في النرويج عدة منظمات تمثل غير المتدينين، مثل “الجمعية الإنسانية النرويجية” (Human-Etisk Forbund)، والتي تُعد من أكبر الجمعيات العلمانية في العالم نسبةً لعدد السكان. تُقدم هذه الجمعية خدمات مشابهة لتلك التي تقدمها المؤسسات الدينية مثل مراسم الزواج والدفن، ولكن بمنظور إنساني علماني.

ديانات أخرى في النرويج: التنوع الثقافي والديني

رغم أن الأديان الكبرى تهيمن على المشهد، إلا أن النرويج تضم أيضًا مجموعات دينية صغيرة، تعكس طبيعة المجتمع متعدد الثقافات.

البوذية

تنتشر بشكل رئيسي بين الجاليات القادمة من تايلاند، فيتنام، وميانمار. وتوجد معابد ومراكز تعليمية في أوسلو ومناطق أخرى. البوذية في النرويج ذات طابع سلمي وتأملي، ويُنظر إليها بإيجابية داخل المجتمع.

الهندوسية

ظهرت الهندوسية مع المهاجرين القادمين من سريلانكا (خاصة التاميل) وبعض دول جنوب آسيا. وتوجد معابد في عدة مدن، ويُمارس الأتباع طقوسهم بحرية، بما في ذلك الأعياد والاحتفالات السنوية.

السيخية، اليانية، البهائية، الديانات الجديدة

توجد مجموعات أقل عددًا تتبع ديانات مثل السيخية، الديانة البهائية، وبعض التيارات الجديدة مثل الكنيسة السيانتولوجية. يتمتع أفراد هذه الجماعات بحرية العبادة والتجمع في إطار القوانين النرويجية التي تكفل حرية المعتقد.

الجدول التالي يوضح التوزيع التقديري للانتماءات الدينية في النرويج (2024):

العلاقة بين الدولة والدين

من أبرز سمات المجتمع النرويجي المعاصر هو النظام الذي يكفل حرية الدين والمعتقد، بموجب الدستور. كما أن الدولة لا تفرض دينًا رسميًا منذ التعديلات الدستورية عام 2012، رغم استمرار دعمها المادي للكنيسة النرويجية وبعض الهيئات الدينية الأخرى عبر نظام التمويل العادل (يُمول حسب عدد الأعضاء في المؤسسة الدينية).

وفي الوقت نفسه، يتم تدريس مادة “الدين والأخلاق” في المدارس، والتي تتناول الأديان الكبرى من منظور أكاديمي وتربوي، مما يساهم في تعزيز التفاهم بين الأديان وتقوية القيم الإنسانية المشتركة.

الخلاصة: فسيفساء دينية تتسم بالتعدد والتسامح

المشهد الديني في النرويج اليوم يعكس تحولات عالمية في بنية المعتقد، حيث تلتقي التقاليد المسيحية التاريخية مع الأديان الوافدة عبر الهجرة، في ظل تصاعد العلمنة واللادينية. وعلى الرغم من أن الكنيسة النرويجية لا تزال تحتفظ بمكانة رمزية كبيرة، إلا أن واقع التدين الفعلي أكثر تعقيدًا وتنوعًا.

تقدم النرويج نموذجًا لمجتمع ديمقراطي يوازن بين حرية الدين وحقوق الأفراد في التعبير عن معتقداتهم أو رفضهم لها، مما يجعل من الساحة الدينية فيها مرآة لعصر تتسارع فيه التغيرات الثقافية والدينية.

المراجع:

1. Statistics Norway (SSB) – www.ssb.no

2. Human-Etisk Forbund – www.human.no